إصطدم الكثير من مستهلكي سوق السيارات المصرية بالتطور السريع الذى حدث فى الأسعار خلال الثلاثة أعوام الأخيرة، خاصة بعد تعويم العملة المحلية، حيث كان الجميع واضعاً نصب عينيه خططاً معينة للشراء سواءاً للمرة الأولى أو لترقية السيارة التى يمتلكها بالفعل بسيارات أخرى أعلى فئةّ وتجهيزاً، قبل أن يفاجأوا جميعاً بالإرتفاع الجنوني المتتالى للأسعار.
أتت التخفيضات الجمركية على السيارات الأوروبية بمثابة متنفس لغضب هؤلاء جميعاً، حيث توقع من ليسوا من المُطلعين على الأمر بشكل كافِِ أن أمر إلغاء الجمارك على السيارات الأوروبية سوف يعود بسوق السيارات إلى فترة ما قبل التعويم، وساعد فى زيادة هذا الشعور عندهم من إستغل الفترة الأخيرة فى نشر معلومات خاطئة عن الأسعار المتوقعة للسيارات بعد إلغاء الجمارك عن السيارات الأوروبية، سواء عن عمد لإستغلال الحدث وجذب المتابعين، أو عن جهل بكل أسف.
الجمارك على السيارات الأوروبية تنخفض منذ 9 سنوات ومنها سنتين تم تعليق الخفض السنوى، ليتم خفض ما قيمته 30% من البند الجمركى هذا العام دفعة واحدة، وهي قيمة الخصم عن السنتين اللتان تم تعليق العمل بالتخفيض بهما 2014 و2018، والسنة الحالية 2019، وهي ما تمثل 12% للسيارات ما بين 1300 و1600 سي سي، و40.5% للسيارات ما فوق 1600 سي سي، وهي تخفيضات جيدة جداً وليست بالهينة، ولكنها لن تصل بحالٍ من الأحوالى إلى نصف أو ثلت ثمن السيارات كما يظن البعض، وفى حالة السيارات تحت 1600 سي سي ولا حتى الربع من ثمنها.
فبحسبة بسيطة للغاية فإن سيارة أوروبية سعة ما بين 1300 و1600 سي سي إذا إفترضنا أن ثمنها الأصلى من المصنع 100 ألف جنيه، كان يتم دفع 12% جمرك العام الماضى بقيمة 12 ألف جنيه، و14% ضريبة قيمة مضافة بقيمة 14 ألف جنيه و3% رسم تنمية بقيمة 3 آلاف جنيه و1% ضريبة جدول بقيمة 1000 جنيه، ليصبح الإجمالى هو 130% بقيمة 130 ألف جنيه قبل مكسب الوكيل والمصاريف الأخرى حتى الوصول إلى صالة العرض، هذه ال130% أضحت منذ 1 يناير العام الحالى 118% أى 118 ألف جنيه فقط، أى أن التكلفة قد قلت بنسبة 9.23% فقط، أما السيارات سعات 1600 حتى 2000 سي سي فقد بلغت هذه النسبة 23.2%، والتى تدفع رسم تنمية 5% و15% ضريبة جدول.
يمكنك تطبيق هذه المعادلة على أى سيارة تريد بأى سعر كان، طالما كانت أوروبية المنشأ، ومقارنة النتيجة بالواقع، فإذا كان التخفيض الذى أعلن عنه الوكيل يمثل هذه النسبة بالتقريب فهو فى هذه الحالة قد قام بالفعل بخفض النسبة الجمركية، وإذا كان العكس فيحق لك أن تشعر بالغضب.
إذن من ينتصر فى نهاية هذه المعركة القائمة؟، هل الوكلاء بكافة أطيافهم من إلتزم بالتخفيض الجمركى وطبقه بالكامل ومن إقتطع نسبة منه لزيادة مكسبه، أم العملاء؟!، بكل صراحة فإن الكرة فى ملعب الوكلاء، نعم هي حقيقة مؤلمة ولكن تظل هي الحقيقة، حركة البيع والشراء شبه متوقفة حالياً ولكن فقط لإن المستهلك الحقيقي فى إنتظار القوائم السعرية لكل الوكلاء وما ستسفر عنه الأيام القادمة على المدى القصير، هم 150 ألفاً من ضمن 100 مليون مواطن قوام سوق السيارات الجديدة تقريباً أى 0.15% فقط من تعداد السكان، قد تضم الحملات على الفيس بوك حتى 10 ملايين مشترك، ولكن يظل المستهلك الحقيقي فى وادٍ آخر مدفوعاً بالحاجة لشراء سيارة جديدة.
فض النزاع الحالى يكمن فى مواطن بسيطة، أولاً أن يجتهد الوكلاء فى تقديم عروض ترويجية مغرية فى الفترة الحالية من خصومات على سعر الكاش والقسط والصيانات وخاصة لمن يقوم بشراء السيارة والترخيص بالفعل حتى تتحرك المياه الراكدة فى الأسواق.
ثانياً السادة المستهلكين الأفاضل، تنظيم حملة مقاطعة لسلعة ما أياً كانت لزيادة أسعارها عن المعدلات الطبيعية هو شيء حميد وممارسة صحية جيدة، ولكن الإندفاع فالأوهام والتوقعات سيجعلك تخسر كل شيء بكل أسف، إذا كنت تريد شراء سيارة معينة، قم بتطبيق النسبة التى قمنا بحسابها سوياً على أقرب سعر عادل للسيارة من وجهة نظرك فى ال12 شهراً الأخيرة، إذا كانت السيارة قريبة من هذا الرقم قم مباشرةً بعملية الشراء، أما إذا كانت بعيدة عن هذا الرقم إمتنع عن شراؤها وأنصحك بالبحث فى بدائل ينطبق عليهم نفس الشروط أو الإنتظار حتى حلول الربع الثاني من العام الحالى ولتكن متصالحاً مع نفسك فى تقبل النتائج أياً كانت.
فى النهاية فإن الوضع الحالى هو وضع مؤقت، السوق سيتعافى تدريجياً مع إقتراب حلول الربع الثاني من العام الحالى، وحتى وإن قل الطلب فبالتبعية سيقل المعروض لينضبط السوق فى النهاية بتوازن بين العرض والطلب، السيارات ليست سلعاً إستراتيجية يجب أن تتوفر بكميات معينة أو أن تتدخل الدولة لضبط أسعارها، تجارة السيارات هي جزء لا يتجزأ من السوق الحر، قد يحدث شد وجذب بين التجار والمستهلكين من حين لآخر، ولكن فى النهاية تعود الأمور لمجاريها الطبيعية.